هوامش على طاولة مبدأ "الهجرة غير النظامية، الأبعاد والانعكاسات"

 

لاشك أن للهجرة فوائدة أصل لها الشارع تماما كما تطرق رئيس مركز مبدأ الدكتور بوياتي الوداني في تعقيبه على إحدى المداخلات في الندوة الأخيرة المعنونة ب " الهجرة غير النظامية، الأبعاد والانعكاسات"، ومن ذلك دعوة القرآن الصريحة من أجل السير في مناكب الأرض وابتغاء الرزق والتفكر في خلق الله.
والهجرة كذلك هروب من الاضطهاد و بحث دائم عن كرامة الإنسان 
وهي تضحية بالغالى والنفيس من أجل المبادئ والعقائد . 
وانتقال من الظلم إلى العدل ومن الجهل إلى النور ومن الخوف إلى الأمان .
هي كل ذلك جنبا إلى جنب مع التأصيل التاريخي الفذ الذي قدمته النائب القديرة خديجة وان، رئيسة الجلسة في بداية الطاولة المستديرة.

ولا شك أن كافة المداخلات  في هذه الندوة تكاملت من حيث تقديم الموضوع واضافت أبعادا جديدة إلى العنوان موضوع النقاش. وذلك بدءا بالدكتور الزين بناهي الخبير القانوني المهتم بقضايا الهجرة، الذي قدم الموضوع بطرح اكادمي رفيع وبأسلوب علمي رصين، معتبرا أن الهجرة غير النظامية، تتقاطع مع قضايا الأمن والسيادة والعدالة، ومشيرا إلى أن منطقة الساحل والمغرب العربي تمثل نقطة عبور ومنطلق ومصب للهجرة في ٱن، مما يشكل تحديا ينضاف إلى تحديات الدول النامية، و مؤكدا أن الهجرة تعبر عن نفسها كخلل عميق في السياسات التنموية والاقتصادية.

ولعل ميلي إلى الطرح المبسط ولغة الواقع والارقام يجعلني أصطف مع تبويب الكاتب محمد الامين الفاضل من حيث تناول الموضوع من زوايا الثقافة والمجتمع والاقتصاد وكلها مواضيع هامة جدا ومحددات قوية لمسار تشريح (الظاهرة )ولو اعترض الدكتور بناهي على التسمية فالهجرة عنده ومن لف لفه من المفكرين، ليست ظاهرة ولا هي جديدة بل هي صيرورة معتادة، وفعل إنساني دؤوب.
إن طر ح الكاتب والناشط الاجتماعي محمد الامين الفاضل لا يخلو من تجربة ممارس ورؤية ناشط اجتماعي؛ فلا شك أن هجرة البلدان الغرب إفريقية التى تشهد هذه الايام موجات من عدم الاستقرار السياسي بحسب الخبير بشؤون الجماعات المسلحة في الغرب الإفريقي السيد محمد محمود أبي المعالى، ستنشأ عنها حالة من المنافسة على فرص العمل والوظائف منخفضة الأجر بالأساس.
ضف إلى ذلك التأثير في مستوى توزيع الدخل القومي، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار الخبرة  التي يحملها الوافدون في مقابل النقص الكبير في التكوين والخبرة عند الفئات العمالية الوطنية.

•الضغط على الخدمات العامة لأن تزايد المهاجرين مع ضعف الموارد يرهق أنظمة التعليم والصحة والإسكان.

•التوترات الاجتماعية
حيث من الملاحظ دائما أنه كثيرا ما تنشأ مع كل موجة جديدة من الوافدين توترات وقلاقل بسبب الفروقات الثقافية والاقتصادية في حال لم يتم الاندماج التام .

• ارتفاع معدلات الجريمة
وقد لفت الكاتب الانتباه إلى تزايد معدلات الجريمة والجريمة العابرة للحدود، خاصة في صفوف الشباب والقصر وتزايدها الملحوظ مؤخرا.

• تغيير الهوية الثقافية
قد تؤدي الهجرة الكبيرة إلى تغيير النمط الثقافي والقيم التقليدية وحتى  الدينية للبلد، خاصة أن من بين المهاجرين إلى موريتانيا من جنسيات مختلفة، العديد من غير المسلمين وغير المتديين اصلا- ولو سلمنا مع ابي المعالي- أن لأغلب الوافدين الافارقة إلى بلادنا حاضنات شعبية من نفس الإثنيات.

•أعباء اقتصادية
في بداية استقرارا المهاجرين، قد تتحمل الدولة عبئا ماليا إضافيا لتوفير الدعم والخدمات قبل أن يبدأوا بالمساهمة الفعلية في الاقتصاد الوطني.

وفي الجانب المقابل، فقد أثبتت دراسات عديدة ومطابقات مع الواقع في الكثير من البلدان، أن المهاجرين على المدى الطويل يساهمون بشكل كبير في التنمية الاقتصادية وزيادة التنوع الثقافي .
ثم إن بلدا كموريتانيا ينعم بخيرات طبيعية وبشرية متنوعة، وتطغى عليه البداوة وعقليات الترفع عن كثير من الأعمال ويسود فيه الكسل، وينخر  قواه الحية نقص الخبرة والتكوين، لحري به استقبال أنواع بعينها من المهاجرين.

وهذا ما أشرت إليه في سؤال مجنح طرحته في الندوة على المحاضرين، وذلك نيابة عن الحضور داخل القاعة وخارجها ممن لاشك سيثير عندهم سبر أغوار الموضوع بشكل مفصل وطرحه بهذه الأناقة فضول الإجابة على سؤال حول؛ الحلول المقترحة من المعنيين من النخبة والقائمين على الشأن العام على حد السواء، و كذلك مستوى المنجز الحالي في هذا المجال؟
ثم ماذا عن التفكير في تنظيم هجرة "انتقائية" أو "دورية" إلى موريتانيا مع مجهود مضاعف من لدن الدولة الموريتانية في إطار تعزيز التكوين والاستفادة من الخبرات الأجنية واليد العاملة الخبيرة خدمة للتنمية المحلية واستقلالية وثراء السوق؟

فماهي الهجرة الانتقائية وماهي الهجرة الدورية ؟ وما الفرق بينهما ؟

1. الهجرة الانتقائية :

الهجرة الانتقائية تعني استقطاب الكفاءات والمواهب التي تحتاجها البلاد. ويمكن لموريتانيا تبني هذا النموذج عبر:

تحديد أولويات التنمية (كالزراعة، التعليم، الصحة، التكنولوجيا) واستقطاب مختصين فيها.

تقديم حوافز تشجيعية مثل الإقامة المرنة، فرص العمل، أو الدعم اللوجستي لبدء مشاريع.

ربط الهجرة بالجامعات والمعاهد: جلب طلاب باحثين قد يواصلون الإقامة والمساهمة بعد التخرج.

تسهيل اندماج المهاجرين ثقافيًا وقانونيًا، لضمان أن يتحولوا إلى طاقة إيجابية لا عبء.


الهجرة الانتقائية ليست "نخبوية" فقط، بل استراتيجية: كل مهاجر مهارة، وكل مهارة فرصة.

2. الهجرة الدورية:

الهجرة الدورية (أو الموسمية) هي انتقال مؤقت للعمل في مواسم معينة، ثم العودة، ويمكن لموريتانيا الاستفادة منها بـ:

تنظيم اتفاقيات مع دول الجوار لتبادل العمالة الموسمية، خاصة في الزراعة والرعي والصيد.

إدماج المهاجرين الدوريين في الاقتصاد المحلي مؤقتًا، دون إثقال كاهل الدولة بالإقامة الدائمة.

ضمان حقوق العمال لئلا تتحول الهجرة الدورية إلى استغلال.


الهجرة الدورية تخلق حلقة من التوازن: لا استقرار دائم يضغط على الدولة، ولا انغلاق يمنع النفع المتبادل.

الشيخ عبد اللطيف 
بتاريخ 19/04/2025