يبدأ صندوق النقد والبنك الدوليين الاجتماعات نصف السنوية لوزراء المال وحكام المصارف المركزية في واشنطن، الاثنين، على وقع تهديدات تجارية جديدة من أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. ومن المتوقع أن يشارك في الاجتماعات أكثر من عشرة آلاف شخص في واشنطن، بينهم وزراء مالية ومحافظو بنوك مركزية من أكثر من 190 دولة.
وكان من المتوقع أن يركز مسؤولو المالية خلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن هذا الأسبوع، على تقييم متانة الاقتصاد العالمي في وجه السياسات الجمركية التي يتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أن الأمر لم يعد كذلك، بعدما تجددت المخاوف إثر تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة مائة بالمائة على الواردات الصينية.
وصار في حكم المؤكد، وفقاً لوكالة رويترز، أن الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين ستهيمن عليها التساؤلات حول ما إذا كان تهديد ترامب بالرد على التوسيع الكبير الذي أعلنته الصين لضوابط تصدير المعادن النادرة سيدفع أكبر اقتصادين في العالم نحو حرب تجارية شاملة. وأسهمت هدنة بين واشنطن وبكين على مدار الأشهر الخمسة الماضية في خفض الرسوم الجمركية ودفعت صندوق النقد الدولي إلى رفع توقعاته للنمو العالمي. وبعثت خطط لقاء ترامب بالرئيس الصيني شي جين بينغ في وقت لاحق من هذا الشهر الآمال في مزيد من التحسن في العلاقات.
ولكن هذا التفاؤل تبدد يوم الجمعة مع تهديد ترامب بإلغاء الاجتماع، وفرض "زيادة هائلة" في الرسوم الجمركية على السلع الصينية، إلى جانب إجراءات مضادة أخرى، بينما أعلنت الصين، يوم الجمعة، فرض رسوم على السفن التي تُبنى في الولايات المتحدة أو ترفع علمها أو تمتلكها شركات مملوكة بنسبة تتجاوز 25 % لصناديق استثمارية أميركية، وذلك لمقابلة رسوم الموانئ الأميركية الجديدة على السفن المبنية أو المملوكة للصين. كما كشفت الصين الأسبوع الماضي، عن قيود جديدة على تصدير المعادن الحيوية. وأدت الأنباء التي صدرت بعد إغلاق الأسواق الأميركية، الجمعة، إلى هبوط الأسهم خارج ساعات التداول، في ظل تخوّف المستثمرين من عودة الحرب التجارية.
ورغم أن الصين تتمتع ببعض القوة، بفضل هيمنتها العالمية على المعادن النادرة، التي تعد ضرورية لصناعة التكنولوجيا، قال مارتن موليزن، الخبير السابق بصندوق النقد الدولي، إنه ليس من مصلحة بكين العودة إلى الرسوم الجمركية هائلة الارتفاع. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، الذي يقود محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين سيلتقي أي مسؤولين صينيين هذا الأسبوع في واشنطن. وامتنع متحدث باسم وزارة الخزانة عن التعليق على جدول اجتماعات بيسنت الثنائية.
ومن المتوقع أن يكون للولايات المتحدة بصمتها الواضحة على الاجتماعات، بدءاً من مناقشات الرسوم الجمركية، وصولاً إلى دعوات وزير الخزانة سكوت بيسنت لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتخلي عن التركيز على قضايا المناخ والمساواة بين الجنسين، والتركيز بدلاً من ذلك على مهمتيهما الأساسيتين المتمثلتين في الاستقرار المالي والتنمية.
كما من المتوقع وفقاً لوكالة أسوشييتد برس، أن تحظى قضية الذكاء الاصطناعي باهتمام خاص خلال الاجتماعات. وكان بنك إنكلترا قد انضم مؤخراً إلى الجهات التي أعربت عن قلقها من احتمال تشكّل فقاعة في قطاع الذكاء الاصطناعي، محذراً من أن أي تحول مفاجئ في معنويات المستثمرين قد يؤدي إلى "تصحيح حاد" في الأسواق المالية.
وقبل تصعيد يوم الجمعة، أفادت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، أثناء فعالية في واشنطن بأن أداء الاقتصاد العالمي يعد "أفضل مما كنا نخشاه، ولكنه أسوأ مما نحتاج إليه". وأضافت أن الصندوق يتوقع حالياً أن يتباطأ النمو العالمي "بشكل ضئيل هذا العام والعام التالي"، مدعوماً بظروف أفضل من المتوقع في الولايات المتحدة، وفي عدد من الاقتصادات المتقدّمة الأخرى والأسواق الناشئة والبلدان النامية. وستنعقد الاجتماعات السنوية في واشنطن، مقر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، على مسافة قريبة من البيت الأبيض.
الأنظار على الاقتصاد والوظائف
بالنسبة للبنك الدولي، يرجّح وفقاً لوكالة فرانس برس، بأن يبقى التركيز على خلق فرص العمل، في وقت يتوقع بأن يشارك رئيسه، أجاي بانغا، في عدة فعاليات تهدف لتعزيز المشاركة في سوق العمل في بلدان تواجه نمواً في عدد السكان. وسيعقد صندوق النقد الدولي مؤتمرات صحافية لبحث تقاريره المعتادة التي تركّز على الاقتصاد العالمي، والسياسة المالية، والاستقرار المالي العالمي.
وستجري أثناء الاجتماعات جلسة حوارية بشأن أوكرانيا التي ما زالت تتعرض لهجمات يومية تقريباً بالمسيرات والصواريخ بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء الغزو الروسي الواسع النطاق. وستشكّل المناسبة فرصة لبحث "الاحتياجات لمواصلة دعم أوكرانيا والجهود اللازمة لإعادة إعمارها"، بحسب صندوق النقد الدولي. كما سيجتمع وزراء مالية دول مجموعة السبع للاقتصادات الغربية المتقدّمة، إضافة إلى اجتماع لمجموعة العشرين التي تضم الولايات المتحدة والصين.
حتى قبل اندلاع آخر سجال تجاري، زادت خطط ترامب للرسوم الجمركية الضرائب على الواردات إلى أعلى مستوى لها منذ عقود، ما أدى إلى تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار، لكن حتى الآن، فإن "جميع المؤشرات تدل على اقتصاد عالمي صمد بالمجمل أمام الضغوط الحادة الناجمة عن الصدمات المتعددة"، بحسب غورغييفا. وأضافت أن "العالم تجنّب حتى الآن الانزلاق في حرب تجارية تقوم على خطوات انتقامية". وما زال البيت الأبيض يصر على أن التأثيرات طويلة الأمد للرسوم الجمركية ستكون إيجابية بالنسبة للولايات المتحدة، مشيراً إلى تأثيرها الاقتصادي المحدود نسبياً حتى الآن.
ومن المتوقع أن يكون إصدار صندوق النقد الدولي لتوقعاته الاقتصادية العالمية المحدثة، غداً الثلاثاء، هو الحدث الرئيسي خلال الأسبوع. وتوقّع الصندوق، في يوليو/تموز الماضي، أن يبلغ النمو العالمي 3% هذا العام و3.1% في عام 2026.