الصين تبني أول جزيرة عائمة مقاومة للأسلحة النووية في العالم

احتكار المعادن النادرة... سلاسل توريد تصنيع لا مثيل لها... نماذج ذكاء اصطناعي مجانية تُنافس، أو تتفوق، على نظيراتها الأميركية... أوراق بحثية وشهادات دكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أكثر من أي دولة أخرى... إذا كنت تقرأ كثيراً عن هذه المواضيع أخيراً، فأنت تعلم كيف أن استراتيجية الصين، التي استمرت لعقود، لتصبح القوة العظمى العالمية الأولى - وأكبر تهديد لهيمنة الولايات المتحدة على العالم - تُؤتي ثمارها.

توسع الصين البحري
ما قد لا تكون على دراية به هو الجزء الحاسم الآخر من خطط بكين؛ توسعها الصناعي للسيطرة على أهم مورد على هذا الكوكب: المحيطات. وقد تحول سعي الصين للهيمنة البحرية من طموح إقليمي إلى واقع عالمي، مدفوعاً بتوسع بحري «متسارع» ينافس توسع الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية؛ إذ أنتجت الدولة الآسيوية بالفعل أكبر أسطول عسكري في العالم من حيث عدد السفن (على الرغم من أن واشنطن لا تزال تهيمن من حيث الحمولة بفضل مجموعات حاملات الطائرات الكبيرة الخاصة بها).

ومع ذلك، فإن استراتيجية بكين للسيطرة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ - وما وراءها - تعتمد على أكثر من مجرد السفن الحربية؛ فهي تعتمد بشكل متزايد على تكتيكات المنطقة الرمادية التي تطمس الخط الفاصل بين البحث العلمي والانتشار العسكري.

نظم مدنية - عسكرية
وتنشر الصين بشكل منهجي نظماً «مدنية» مزدوجة الاستخدام - من سفن المسح الأوقيانوغرافي إلى أساطيل الصيد العسكرية - لرسم خرائط للممرات المائية الاستراتيجية الرئيسية، وتأكيد السيادة دون إطلاق رصاصة واحدة. يتصاعد الآن مبدأ «التقدم دون هجوم» هذا مع فئة جديدة من الهياكل العملاقة المصممة لترسيخ الوجود الدائم للصين في المياه المتنازع عليها.

جزر عائمة لأبحاث المحيطات
بينما تتحدى بحرية جيش التحرير الشعبي الهيمنة الأميركية بحاملات طائرات متطورة مثل «فوجيان»، وحاملات نووية جديدة قيد الإعداد، تُنشئ بكين في الوقت نفسه بنية تحتية موازية من الجزر العائمة والقواعد البحرية.

وتقول الصين إن تلك البنية التحتية مصممة لـ«الاقتصاد الأزرق» - فكرة أن المحيطات مورد ضخم لا يزال ينتظر الاستغلال - وهذا صحيح. ولكن، يا للعجب! صُممت هذه المرافق بقدرة عسكرية على البقاء، وتعمل بفاعلية كقواعد عمليات متقدمة تُوسّع نطاق الصين إلى ما هو أبعد من شواطئها مع الحفاظ على مظهر من الشرعية المدنية.

أحدث الإضافات إلى هذه الشبكة من الأصول هي قواعد في أعماق البحار، ومزارع خوادم تحت الماء؟

منصة أبحاث عائمة تتحمل الانفجارات النووية
والآن، توضع منصة أبحاث عائمة مصممة لتحمل الانفجارات النووية. تُشكل هذه المشاريع معاً بنية تحتية متصلة مصممة للعمليات طويلة الأمد، واستخراج الموارد، ومعالجة البيانات في البحر، وهي لم تصمم فقط لتحقيق مزايا علمية وصناعية، بل لتوسيع بصمة بكين في محيطات العالم.

مشروع مثير للإعجاب لا مثيل له في العالم
دعونا نلقِ نظرة على هذه المشاريع واحداً تلو الآخر، بدءاً من الأكثر إثارة للإعجاب: في ورقة بحثية نُشرت في وقت سابق من هذا الشهر في المجلة الصينية لأبحاث السفن، تُعدّ منشأة الأبحاث العائمة الجديدة في أعماق البحار، والمُصمّمة لجميع الأحوال الجوية، منصة شبه غاطسة تزن 86000 طن، وصفها مطوروها بأنها جزيرة اصطناعية متنقلة ومكتفية ذاتياً.

تنص العقود المبرمة مع حوض بناء السفن الذي سيبنيها - شركة بناء السفن الحكومية الصينية - على سفينة ثنائية الهيكل يبلغ طولها 453 قدماً وعرضها 279 قدماً، مع سطح رئيسي يرتفع 148 قدماً فوق خط الماء، وفقاً لصحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست». صُممت لإيواء 238 شخصاً لمدة تصل إلى أربعة أشهر دون الحاجة إلى إعادة إمداد. إنه مشروع مذهل لا مثيل له في العالم.

ووفقاً ليانغ دي تشينغ وفريقه في جامعة شنغهاي جياو تونغ، صُممت المنشأة لتكون «مهيأة لجميع الأحوال الجوية، وطويلة الأمد». ويحتوي هيكلها العلوي على حجرات حيوية للطاقة في حالات الطوارئ، والاتصالات، والملاحة، وهي مُقوّاة لتظلّ جاهزة للعمل بعد أي انفجار نووي.

تحمّل الأعاصير
صُمّمت المنصة للعمل في حالة البحر السابعة - بحار هائجة بأمواج تتراوح بين 20 و30 قدماً - وللتحمّل أعاصير تصل إلى الفئة 17، وهي أعلى تصنيف على المقياس الصيني. صرّح قائد المشروع، لين تشونغ تشين، بأنّ فريقه «يسابق الزمن لإكمال التصميم والبناء؛ بهدف الوصول إلى حالة التشغيل بحلول عام 2028».

وستُبحر المنصة بسرعة تقارب 17 ميلاً في الساعة لإجراء عمليات رصد في أعماق البحار واختبار تقنيات التعدين في مناطق تشمل بحر الصين الجنوبي.

ولكن ربما يكون أكثر ما يُثير الإعجاب، بعد حجمها الكبير بشكل لا يُصدق وتصميمها الشاهق ثنائي الهيكل، هو المادة التي اخترعوها لجعلها قادرة على تحمّل موجة صدمة نووية دون وزن الدروع الثقيلة التقليدية.

حاجز «ساندوتش» لاتقاء الضربات النووية
صمم المهندسون «حاجزاً شطيرة» باستخدام شبكة من الأنابيب المعدنية المموجة. وتستخدم هذه الأنابيب، المطوية بزاوية 21.25 درجة بدقة، بجدران يبلغ سمكها 0.02 بوصة فقط، تقنيات تسمح لها - على عكس المواد القياسية التي تنتفخ للخارج عند ضغطها - الانكماش في هيكلها إلى الداخل والتكاثف / ما يُوزع قوة التأثير.

ويزعم الباحثون أن عمليات المحاكاة التي أجروها أظهرت لوحة بسمك 2.4 بوصة - أي ما يُقارب عرض الهاتف الذكي - تتفوق على ألواح الفولاذ الأكثر سمكاً. وتحت ضغط انفجار نووي مُحاكٍ يبلغ 25.8 رطل لكل بوصة مربعة (177.83 كيلو باسكال)، قلل التصميم من الإزاحة الهيكلية القصوى بنسبة 58.53 في المائة مقارنةً بالدروع التقليدية.

محطة فضائية تحت الماء
تنشر الصين أيضاً قاعدة تحت الماء تُشبه قاعدة «جيمس بوند»، تقع على عمق نحو 6560 قدماً في بحر الصين الجنوبي، ويبدو أنها الأولى من بين الكثير من القواعد. وفقاً لقائد المشروع، يين جيان بينغ، من معهد بحر الصين الجنوبي لعلوم المحيطات، يُعدّ المشروع بمثابة «محطة فضائية في البحر». تتصل وحداته المضغوطة بشبكة ألياف بصرية، وهي مصممة لاستضافة ستة علماء لمدة تصل إلى شهر.

ستبحث القاعدة كيفية استخراج هيدرات الميثان - للمساعدة في تلبية احتياجات البلاد المتزايدة من الطاقة - ومسح رواسب العناصر الأرضية النادرة والكوبالت والنيكل. وستدعمها سفينة الحفر «مينغ شيانغ» وشبكة من الغواصات غير المأهولة التي ستُستخدم أيضاً كنظام مراقبة للبلاد.

في موازاة ذلك، نشرت الصين أول مركز بيانات تجاري تحت الماء قبالة ساحل هاينان. وهو عبارة عن هيكل يزن 1433 طناً مغمور على عمق 115 قدماً، ويضم 24 رفاً للخوادم. ويشير مدير المشروع، بو دينغ، إلى أنهم «وضعوا كابينة البيانات بأكملها في أعماق البحر؛ لأن مياه البحر يمكن أن تساعد في تبريد درجة الحرارة».

يدّعي المطورون أن هذا التبريد السلبي يُمكن أن يوفر نحو 90 في المائة من الطاقة المُستخدمة عادةً للتحكم في المناخ في المراكز الأرضية. ستستمد وحدة اختبار مماثلة بالقرب من شنغهاي الطاقة من منشآت الرياح البحرية، وتُقدّر الشركة التي تُشيّد مركز البيانات هذا أن أكثر من 95 في المائة من طاقته ستأتي من مصادر متجددة. الفكرة ليست جديدة. فقد اختبرتها «مايكروسوفت» ووجدت أنها تعمل بشكل رائع بالفعل. والمثير للدهشة أن شركة «ريدموند»، واشنطن، توقفت عن العمل عليها ولن تُوسّع نطاقها. وهو أمر مُحزن - نظراً للهدر الهائل للطاقة الذي تُمثله مزارع الخوادم الحالية، الذي يُمكن تقليله بشكل كبير من خلال التبريد الطبيعي - ومُثير للصدمة لأن الولايات المتحدة في خضمّ حرب عالمية للهيمنة على الذكاء الاصطناعي مع الصين.

الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي
الصين لا تدخر جهداً للفوز في هذه الحرب، وهذا تحديداً ما يُجسّده هذا الهيكل العملاق العائم الجديد. لن تتوقف بكين عند صنع هواتف «آيفون»، ومغناطيسات العناصر الأرضية النادرة، وبناء أفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي باستخدام أكبر جيش من أطباء العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في العالم.

وتسعى الصين أيضاً إلى أن تصبح أكبر قوة بحرية عظمى - تماماً كما فعلت إسبانيا، وبريطانيا والولايات المتحدة في القرون الماضية. ونحن نشهد انفتاحها في الوقت الفعلي.

* «مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»