أجرى باحثان تجربة نفسية بسيطة في ظاهرها، صادمة في نتائجها، أثبتت أن الإنسان قد يُعاقَب اجتماعياً بسبب شيء غير موجود سوى في مخيلته.
فقد أبلغ الباحث روبرت كليك وزميله، المشاركين في تجربة شهيرة في مطلع الثمانينيات، بأنَّ الباحثين سيضعون لهم «نَدبَة» واضحة على الوجه باستخدام مكياج احترافي، وأن الهدف هو دراسة كيفية تعامل الآخرين مع من لديهم تشوّه أو سمة ظاهرة. ثم طلب منهم أن يدخلوا إلى مقابلات رسمية.
كانت الدراسة تهدف إلى فهم العلاقة بين التشوه الجسدي المتصور، وتصوراتنا عن الذات، وطريقة تفسير الأفراد لتفاعلاتنا الاجتماعية. وطرح السؤال الجوهري فيها: هل يكفي اعتقاد الشخص بوجود عيب في مظهره ليشعر بوصمة «عار» اجتماعية، حتى لو لم يكن هذا العيب موجوداً فعلياً؟
وقد اختيرت «الندبة» لكونها أثراً دائماً بعد الشفاء، لا «كدمة» مؤقتة سرعان ما تزول.
ثم طُلب من المشارك النظر إلى نفسه في المرآة لتثبيت الصورة الذهنية للندبة، وقبيل أن يهم بالخروج نحو الباب تظاهر المعنيون بوضع لمسات أخيرة بعيداً عن المرآة، لكنهم في الواقع أزالوا الندبة تماماً بمحلول خاص، فأعادوا الوجه إلى طبيعته.
بُعيد خروج المشاركين، أفاد معظمهم بأنَّ تفاعلات الآخرين معهم بدت لافتة؛ إذ شعروا بأنَّ المحيطين كانوا أقل ودّاً، وأكثر توتراً، ويتجنَّبون النظر المباشر، ويتعاملون معهم بحذر يصل أحياناً إلى النفور. تراكم هذه الانطباعات وَلّد لدى المشاركين إحساساً بأنّهم في موضع حكم سلبي، وتحت المراقبة، بل ومرفوضون اجتماعياً، وذلك كلّه حدث في غياب أي تشوّه فعلي يراه الطرف الآخر!
خلص الباحثان إلى أنَّ الشعور بوصمة اجتماعية لم يكن ناتجاً عن ردود فعل حقيقية من الآخرين، بل عن شعور متضخم نابع من وجدان الشخص نفسه.
هناك قوة خفية كامنة في تصوّرنا لذواتنا، قادرة على إيلامنا، وأحياناً على تجسيد أوهام لا وجود لها على أرض الواقع. وتتعاظم التحيّزات الإدراكية حين يتوقع أحدنا الرفض مسبقاً، فيبدأ فعلياً بتأويل كل سلوك محايد، أو إشارة عابرة، على أنها موقف سلبي موجَّه ضده.
المشكلة أن المرء إذا كان يمارس هذا النوع من «القسوة الإدراكية» على نفسه، فكيف سيكون شعوره تجاه الآخرين ممن سبق أن حكم عليهم، أو أساء الظن بهم، أو أقنع نفسه بأنهم يتربصون به؟
د.محمد النغيمش
