أصوات غاضبة في مظاهرات باريس: "أريد أن يستعيد الناس حريتهم وقدرتهم الشرائية..." ريبورتاج

في يوم من الإضرابات والمظاهرات بمختلف أنحاء فرنسا، تجمع الآلاف في ساحة الباستيل بالعاصمة باريس، رافعين أصواتهم ضد السياسات الاقتصادية والأزمة السياسية المتفاقمة. فرانس24 رصدت أصواتهم ومطالبهم.

 

في ساحة الباستيل بالعاصمة الفرنسية باريس، ووسط إجراءات أمنية مشددة، استجابت حشود من مختلف الأعمار والخلفيات لدعوة تنسيقية النقابات، فتجمع الآلاف للتظاهر رافعين شعارات ومطالب تعكس حجم معاناتهم.

ويأتي هذا التجمع في سياق يوم من الإضرابات والتظاهرات بدعوة من النقابات سعيا للضغط على رئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو بشأن خطته المالية، وسط أزمة سياسية حادة.

لم يأتِ جميع المشاركين تلبية لدعوة النقابات، فقد التقت فرانس24 من حضروا بشكل تلقائي، كلٌّ منهم بدافع شخصي وبسبب استيائه من الأزمة السياسية والضائقة الاقتصادية الراهنة.

عدد كبير منهم سبق أن شارك في احتجاجات 10 سبتمبر/أيلول التي أعقبت سقوط حكومة (رئيس الوزراء السابق) فرانسوا بايرو، مؤكدين أن استقالة الحكومة وتعيين لوكورنو لم يُلبِّ مطالبهم. فيما يرى آخرون، ومن بينهم من كانوا ضمن حركة "السترات الصفراء"، أن الهدف الأوسع اليوم هو المطالبة باستقالة الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه.

 

متظاهر يحمل لافتة حول رقبته كُتب عليها: "المليارديرات يسرقون جيوبنا". © بهار ماكوي/ فرانس24

فرانس24 تحدثت لبعض المحتجين ونقلت شهاداتهم.

أوليفييه: "وعود ماكرون كلام فارغ"

شارك أوليفييه، وهو متقاعد يبلغ من العمر 70 عاما، في العديد من المظاهرات في السنوات الأخيرة من بينها احتجاجات "السترات الصفراء" التي يعتبر أن مظاهرات الخميس امتداد لها.

وقال لفرانس24: "أنا هنا لأنني أريد أن يستعيد الناس حريتهم، وقدرتهم الشرائية، وحياتهم الطبيعية. لا أريد أن نعيش خاضعين لهذا النظام وإعلامه الموجه. كنا نعيش بشكل أفضل من قبل. وعود ماكرون لم تكن سوى كلام فارغ. نعلم أيضا أنه جزء مما يسمى ’الدولة العميقة‘ المرتبطة بأوروبا. بالنسبة لي، الحل أن نخرج من الاتحاد الأوروبي".

نقاط تفتيش أمنية قبل النفاذ إلى ساحة الباستيل. © صبرا المنصر/ فرانس24

وتابع أوليفييه قائلا: "أنا في الشارع منذ ست سنوات. أشارك اليوم في هذه المظاهرة لسبب واحد: المطالبة برحيل ماكرون. منذ البداية كان واضحا أن برنامجه ليس في صالح فرنسا. تغيير رئيس الوزراء لا يفيد في شيء - لقد وصلنا بالفعل إلى (رئيس الحكومة) السابع (في عهد ماكرون)! المشكلة ليست في الوزراء، بل في الرئيس ماكرون نفسه وقوانينه التي تسلب الحريات. أحيانا يرمي بعض الفُتات للشعب لتهدئة الغضب، لكنه في المقابل يعاود طرح إصلاحات تقيد حرياتنا أكثر فأكثر. يقول إنه ديمقراطي، لكن مفهومه للديمقراطية ليس مفهومنا. منذ وصوله إلى الحكم، لم نرَ سوى القمع. هل رأيتم تلك الشاحنات التابعة لقوات مكافحة الشغب؟ يقولون إن فرنسا غارقة في الديون، لكن لتعبئة هذا العدد من القوات فقط لضرب المتظاهرين، فجأة نجد المال متوفرا!"

ويواصل حديثه: النتيجة معروفة...عيون مفقودة، وأجساد مشوهة. بالنسبة لي، الحل الوحيد هو رحيله بأسرع وقت. لم يعد هناك ما يمكن التفاوض عليه معه. آمل ألا يرضخ النقابيون ولا يجلسوا إلى طاولته. الحل الوحيد الممكن هو رحيله".

مارك: "أحيانا أفكر...ربما أكون أنا المشرد التالي"

مارك (اسم مستعار)، البالغ من العمر 46 عاما ويعمل سائقَ سيارة أجرة. التقينا به وهو بصدد كتابة شعارات على سطح سيارته للتعبير عن غضبه إزاء الوضع الاقتصادي للبلاد. © صبرا المنصر/ فرانس24

مارك (اسم مستعار)، البالغ من العمر 46 عاما ويعمل سائقَ سيارة أجرة. التقينا به وهو بصدد كتابة شعارات على سطح سيارته للتعبير عن غضبه إزاء الوضع الاقتصادي للبلاد. فقال: 

"الرئيس ماكرون كان قد وعد بأنه لن يبقى مشرّد واحد في الشارع. لكن اليوم، نرى العكس تماما: عدد المشردين يزداد. أنا كثير التنقل كسائق أجرة، وألاحظ ذلك بوضوح. صحيح أنك لن تراهم في جادة الشانزليزيه، لكن في الدائرة الثامنة عشرة، وفي أقاليم مثل إقليم 93 (ضاحية باريس الشمالية)، الوضع أصبح لا يُحتمل. لا يمكن أن يستمر الحال هكذا. وأحيانا أفكر: ربما أكون أنا المشرد التالي. ما أشعر به هو ظلم مالي عميق. يتركوننا نغرق في الديون دون أي مساعدة للتخلص منها. يتم تجريدنا من القليل الذي نملك ليُعطى لمن يملكون أصلا كل شيء. لم يبق لنا إلا الفُتات، ومع ذلك يستمرون في أخذ ما تبقى لصالح الأثرياء. هذا أمر غير مقبول على الإطلاق".

 سيريل: "نطالب بتوزيع عادل للثروات"

سيريل داردن، مندوب نقابي مركزي في شركة تاليس.

سيريل داردن، مندوب نقابي مركزي في شركة تاليس. © صبرا المنصر/ فرانس24

قال: "نتظاهر اليوم في إطار دعوة وطنية مشتركة بين النقابات من أجل الضغط على الحكومة. مطلبنا الأساسي هو انتهاج سياسة اقتصادية واجتماعية أكثر عدالة، تُعيد الطمأنينة وتوفر ميزانية تخدم المجتمع، خصوصا عبر نظام الضمان الاجتماعي. هذا يشمل الأجور، والمساهمات، والضرائب. باختصار، نطالب بتوزيع عادل للثروات".

وأضاف: "نحن في سياق حكومة جديدة، مع رئيس وزراء تم تعيينه مؤخرا، وقانون مالية سيُطرح قريبا للنقاش (في البرلمان). هدفنا هو الدفاع عن ميزانية تحمل بُعدا اجتماعيا وتضامنيا حقيقيا، تمول الصحة، والمعاشات، والتعليم، والخدمات العامة، بدل الإعفاءات الضريبية والهدايا المتكررة للشركات.اليوم، الأولوية تُعطى للقنابل لا للعلاج. ميزانية فرنسا تتجه نحو التسلح والإنفاق العسكري على حساب المستشفيات، والمدارس، والخدمات العمومية عموما. هذا النموذج لم يعد قابلا للاستمرار: الدين يتفاقم، ونقترب من لحظة حاسمة حيث يجب اتخاذ خيارات. وبالنسبة للكونفدرالية العاملة للشغل، هذه الخيارات لا يمكن أن تكون الخصخصة وتفكيك أنظمة التضامن. نحن ندافع عن التوزيع، التضامن، ومداخيل مالية مستقرة، وإلا سينهار النظام".

دانيال: "رفع الأجور وتحسين ظروف العمل..."

دانييل بوشيرون، سيدة متقاعدة حضرت إلى المظاهرة بمفردها، تساند الحركة الاجتماعية.

دانيال بوشيرون، سيدة متقاعدة حضرت إلى المظاهرة بمفردها، تساند الحركة الاجتماعية. © صبرا المنصر/ فرانس24

"أنا هنا من أجل الحركة الاجتماعية، من أجل رفع الأجور وتحسين ظروف العمل. أنا ضد عنف الشرطة، ومن أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية ومن أجل المستشفيات العامة، والتعليم، ودور رعاية المسنين. وأيضا ضد الأغنياء الذين يجب أن يدفعوا حصتهم، لأن هناك تفاوتا كبيرا في الثروات والضرائب. مع ثرواتهم الضخمة، حتى لو دفعوا 2٪، فهذا لا شيء بالنسبة لهم، أما بالنسبة لنا فهو قليل جدا".

أليس: "تقليص ميزانيات التعليم والمستشفيات بينما ميزانية الجيش ترتفع"

أليس شابة في الـ26 من العمر، وهي موظفة في بلدية بباريس، أمينة مكتبة. تقول إنها تأثرت بالوضع المالي لوالديها عندما أحيلا إلى التقاعد بأجور زهيدة.

وصرحت لفرانس24: "أنا ضد السياسات المتبعة منذ عدة سنوات. بالنسبة لي، من المهم أن نلتقي ونرى أننا جميعا نواجه نفس المشاكل: الأجور المتوقفة عن الزيادة، نقص الموظفين، وارتفاع تكاليف المعيشة في باريس... وفي الوقت نفسه، تقليص الميزانيات في التعليم والمستشفيات بينما ميزانية الجيش ترتفع. وفي المقابل، يحقق الأغنياء وكبار رجال الأعمال أرباحا قياسية كل عام".

وتابعت: "أنا هنا لأقول لا لهذه السياسات، بغض النظر عن الحكومة، لأنه في النهاية لا يتغير الكثير. وأعتقد أن التغيير يمكن أن يحدث فقط من خلال تحركنا الجماعي. أنا مهتمة بالشأن السياسي منذ صغري، عندما لاحظت المشاكل المالية والاجتماعية حولي. كما شاهدت والديّ المتقاعدين بمعاشات تقاعد أقل بكثير من رواتبهما السابقة، وكان ذلك صعبا للغاية، وهذا ما دفعني للانخراط والعمل الاجتماعي