يكاد الأدب الأفريقي يكون مجهولاً للقارئ العربي، ليس بسبب غيابه، بل بسبب قلة الترجمات من هذا الأدب، إذا ما استثنينا تلك الترجمات للأعمال التي يصادف أن تفوز بجوائز عالمية، إذ يتهافت المترجمون على ترجمتها.
تقدم مجموعة «رقصة العاج» الصادرة حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن (2025) للمترجم د. باسم الزعبي منتخبات قصصية تعود إلى حقب زمنية متعددة، ولكتّاب أفارقة من دول متعددة. نجد هنا مؤلفين معروفين، ومؤلفين أقل شهرة، وممثلين للاتجاه الفولكلوري في الأدب، والأدباء الذين يصورون حياة المدن، وطيفاً من الأساليب والاتجاهات المتنوعة بدرجة كبيرة، من العفوية إلى الواقعية والسوريالية. إن اللوحات الحياتية القصيرة، والرسومات السيكولوجية، وصور الحياة التقليدية، والاستعارات المجازية المعقدة والأحداث المؤثرة، والقصص الساخرة، والحكايات البسيطة، والأحاديث الرمزية، لم تتعايش على صفحات كتاب واحد وحسب، لكنها قادرة على أن تقدم نفسها وحدة حقيقية، لأن أفريقيا المعاصرة تتنفس على هذه الصفحات بكل تناقضاتها: طيبتها، ودمامتها، حكمتها، وخرافتها، وروعتها الشعرية.
جاء في تقديم الكتاب:
«سيلاحظ القارئ أن قضية التمييز العنصري هي الأهم في الأدب الأفريقي، خصوصاً لدى كتاب جنوب أفريقيا. وسيلاحظ أيضاً شيئاً آخر من دون شك: إن التطرق إلى هذه المواضيع لا يحمل طابعاً شعارياً، ومتحرراً من الصبغة الأخلاقية أو البوليسية. والحلول الساخرة للموضوعات أصبحت ذات خصوصية، فهي على نحو مفارق تؤكد تراجيدية الحالة.
إن الجزء الفولكلوري من المنتخبات يشكّل قسماً متنوعاً، متعدد التلاوين، بعض القصص تبدو إعادة بسيطة للحكايات الشعبية. وعلينا أن نتذكر أن هذا العمل يعد عملاً أدبياً جاداً ومتعدد الوظائف بالنسبة إلى الكتاب الأفارقة. ومن الضروري تكييف اللغة الأجنبية (الغربية) لإيصال القيم الأفريقية، ومن الضروري جعل النص الفولكلوري نصاً أدبياً، وأخيراً يتوجب إيجاد حلول للمسائل التأليفية - الإبداعية. ومع ذلك فإن هذا الكتاب لا يجمع الأعمال الفولكلورية فقط، فعلى أساس المادة الفولكلورية بُنيت قصة (protista) المليئة بالرموز والاستعارات المجازية، القصة المؤثرة والدقيقة، البداية الخاصة بالمؤلف بالتأكيد هي السائدة هنا، أما التحليق السوريالي فيعطي التفاصيل (الفلكلورية) تكويناً غير منتظر، ولوناً خاصاً إلى حد كبير. أما الكاتب الكيني نغوغي فاهتينغو فيتضمن أدبه السيكولوجي العميق الحكاية الشعبية.
أما الجزء الأساسي من هذه المجموعة فتشكله القصص الواقعية، والقارئ الممحّص سيستخلص منها إشارات غنية عن حياة أفريقيا المعاصرة، والذي لا نستطيع تحقيقه من خلال الكثرة، من الدراسات الاجتماعية والإثنوغرافية، والدينية. هنا نجد المعتقدات الدينية التقليدية، والعلاقات البينية القبلية، ووضع المرأة، وعادات الزواج، وولادة البرجوازية المحلية، ورذائل المدينة، وقصص الحب، والدعارة، ومهانة الإنسان، والفضيلة... باختصار، كل شيء يدخل في تكوين صورة أفريقيا اليوم».
