لم يكن السود في موريتانيا يوماً يقتلون لأنهم سود، ولا لأنهم يسكنون مناطق بعينها. هذه قراءة سطحية ومتحاملة، تتجاهل تعقيدات الواقع إلى تبسيطات مريحة للخطاب السياسي المأزوم.
الحقيقة المؤلمة أن معاناتنا مع الفقر، والهشاشة الاجتماعية، وذاكرة الاسترقاق، ومخلفات الاستعباد، لم تكن سوى ورقة رابحة في أسواق السياسة؛ تُعرض في مزاد المواقف الحقوقية، فيُزايد بها السماسرة والنخاسون الجدد، ليحصدوا من ورائها المكاسب والمناصب والتمويلات.
لكننا، كنخبة ومثقفين سود، سئمنا هذا الاستغلال الممجوج. ضقنا ذرعاً بميزانٍ يزن ألواننا قبل كفاءاتنا، ويقيس قيمتنا بمواقفنا من سوقٍ بائرٍ يتاجر بالمعاناة.
مللنا أن تزننا السلط السياسية و الحكومات المتعاقبة بميزان الموقف من خطاب المتاجرة هذا لا بميزان الانتماء للمشروع الوطني الجامع. فالذين يرفعون منا شعارات صاخبة في مزاد الهوية يُمنحون الحظوة وتُفتح لهم أبواب المجالس، أما المثقف الذي يصرّ على خطاب وطني يتجاوز الفئوية ويضع مصلحة الوطن قبل المكاسب الضيقة، فسرعان ما يُصنَّف سلعة خاسرة لا مكان لها في سوق السياسة.
وضجرُ الفقراء والمهمشين أشد وقعاً؛ فقد اعتادوا أن تصك مسامعهم جلبة هذا الصخب السياسي في كل حين ومقام، فلا هو حسّن مستوى عيشهم، ولا رفع عنهم وطأة التهميش، ولا قرّ لهم قرار في ظل هذا التجييش المستمر باسمهم ومن غير إرادتهم
إن الاستمرار في هذه اللعبة الخاسرة لا يخلّف إلا مزيداً من الانقسام وتعميقاً للجراح، بينما يحتاج وطننا إلى شجاعة أخلاقية وسياسية تعترف بالمعاناة، لكنها ترفض تحويلها إلى سوق، وتعمل على تحويل الذاكرة المثقلة إلى مشروع وطني للإنصاف والتنمية والمصالحة الحقيقية.
وإن جيوب الفقر فيي آدواب و أوكار التهميش في الأعرشة و المخيمات و على هوامش الحياة لتأط من وقع معاناة ثقيلة آن لها أن تجد البلسم و الشفاء من يد حانية تريد لها الخلاص بصدق.