الإطار العام للخطاب
جاء خطاب الرئيس في ظرف وطني يتّسم بتصاعد خطاب الكراهية والنقاش حول الهويات الفرعية الضيقة (القبلية، الجهوية، والشرائحية) في المشهد الاجتماعي والسياسي الوطني ، وما تسببه من توترات محلية تهدد تماسك الدولة الوطنية ، فاختار فخامة الرئيس أن يوجه رسالته ، في هذا الخصوص ، من عمق شرق البلاد ، في انبيكت لحواش، وهي منطقة ذات رمزية اجتماعية وقبلية قوية، ما يضفي على الخطاب طابعاً ميدانياً وطنيا ، وشجاعاً من حيث المكان والتوقيت والمضمون.
المضمون السياسي للخطاب
جاء الخطاب ليؤسس لرؤية صارمة لبناء الدولة الوطنية الحديثة على أسس المواطنة المتساوية، من خلال ثلاث رسائل محورية:
1. قَطع الصلة بين الدولة والقبيلة:
بتأكيده على أن الموظفين وأعوان الدولة لا يجوز لهم تنظيم أو حضور فعاليات ذات طابع قبلي أو جهوي ، ووضع حدّاً واضحاً لما كان يُعتبر تساهلاً ضمنياً مع الممارسات القبلية داخل الجهاز الإداري والسياسي.
وتعني هذه الخطوة ، الانتقال من خطاب التسامح الاجتماعي إلى منظور الدولة الصارم الذي يعتبر القبيلة مكوّناً ثقافياً لا مؤسّسة سياسية.
2. ترسيخ مفهوم المواطنة فوق الانتماءات الفرعية
اعاد فخامة الرئيس ، ترتيب أولويات الهوية، وجعل الوطنية هي المرجع الوحيد للولاء ، وذلك بتاكيده أن الانتماء الوطني يجب أن يكون فوق كل اعتبار.
وربط مستقبـل التقدم والازدهار بـدولة المواطنة ، التي تقضي على كل تراتبية قائمة على العِرق أو النسب أو الانتماء الجهوي.
3. التحذير من النزاعات القبلية ومظاهر التمييز
لم يكن تحذيره من النزاعات حول ، الآبار والحواجز الرملية ، حديثا عن تفاصيل محلية ، بعينها ، بقدر ما كان يستحضر خطورة التنازع الأهلي على موارد بسيطة يمكن أن تتحول إلى شرارة تهدد السلم الاجتماعي.
الأبعاد السياسية للخطاب
1. إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع
يهدف خطاب الرئيس إلى نقل المجتمع من مرحلة الدولة التي تتكيّف مع البنية القبلية ، إلى الدولة التي تؤطّر القبيلة ضمن حدود القانون ، لإرساء عقد اجتماعي جديد، يجعل الولاء للمؤسسات لا للأشخاص أو الروابط التقليدية.
2. رسالة موجهة للادارة والطبقة السياسية تحمل توجيها صارما إلى المسؤولين بانتهاء زمن التوظيف أو الحشد السياسي على أسس قبلية .
وضع الرئيس في خطابه ، أساساً لمساءلة أخلاقية ووطنية لكل من يمثل الدولة، وهو ما قد يشكل بداية إصلاح حقيقي داخل الجهاز الإداري.
3. التمهيد لمرحلة جديدة من بناء الدولة المدنية
اكد أن حرية التعبير مكفولة للجميع ، والرفض القاطع للدعاية العنصرية، مؤكدا أن الدولة لا تقمع التنوع، بل تضبطه ضمن الإطار الجمهوري والمواطني.
القراءة السياسية للخطاب
الخطاب ليس مجرد ردّ فعل، بل هو إعلان لمبدأ حكم قد يشكل تحولاً في فلسفة الدولة منذ الاستقلال.
فهذا الخطاب من الناحية الرمزية، يضع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في موقع ، المؤسس الثاني للدولة الوطنية ، أي الدولة التي تتجاوز البنية التقليدية نحو الحداثة المؤسسية.
الخطاب يعيد الشرعية إلى خطاب الإصلاح الوطني ويمنح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مشروعية إضافية ، كرئيس جامع ، يسعى لتوحيد الموريتانيين على قيم المواطنة لا على الروابط القبلية والجهوية والشرائحية.
كما يحمل الخطاب أيضا رسالة ضمنية إلى النخبة السياسية والحزبية بأن ، الاستثمار في العصبية القبلية أصبح عبئاً سياسياً لا مكسباً انتخابياً.
تحديات تواجه تطبيق الخطاب
1. عمق البنية القبلية والاجتماعية في الحياة اليومية والسياسية.
2. حاجة الدولة إلى أدوات مؤسسية وتشريعية لتفعيل هذه التوجيهات (مدونات سلوك، إصلاح إداري، قوانين ردع).
3. ضرورة مرافقة الخطاب بحملات توعوية وثقافية تُعيد بناء الوعي الوطني في المدارس وعبر الإعلام.
دلالة خطاب انبيكت لحواش
خطاب انبيكت لحواش ، خطاب تاريخي بمعناه ودلالاته ، يمثل منعطفاً في مسار الدولة الموريتانية، لكونه :
يضع حداً للخلط بين الدولة والقبيلة.
يؤسس لمرجعية وطنية جامعة قوامها المساواة والمواطنة.
يعلن عن مرحلة جديدة من الحزم في إدارة التنوع، حيث لا يُمنع الاعتزاز بالهوية، لكن يُرفض توظيفها سياسياً أو إدارياً
توجنين في 9 نوفمبر 2025
محمد ولد سيداتي
رئيس الفرع رقم 1
قسم حزب الانصاف
توجنين
