أحمد باب اعلاتي
لم تكن بوادر إقالة الوزير الأول عثمان سونكو من قبل الرئيس ديوماي فاي مجرد إجراء سياسي عابر في داكار، بل كان لحظة رمزية تختزل مأساة العلاقة بين الطموح والسلطة، وبين رفاق الدرب حين تتحول الشعارات إلى عبءٍ والواقع إلى امتحان قاسٍ.
فـ"ديوماي فاي"، الذي صعد من صفوف الشارع، لم يكن ليصل إلى القصر دون ظلال سونكو، ذلك الصوت الصاخب الذي حرّك الجماهير وهزّ أركان النظام السابق بخطاب المقاومة والعدالة. غير أن الرياح التي تحمل السفن إلى الشاطئ، هي ذاتها التي يمكن أن تكسرها إن لم يُحسن ربانها قراءة الموج.
منذ توليه السلطة، بدا الرئيس الشاب متردداً بين إرث النضال ومتطلبات الدولة. وحين واجه معادلة الاقتصاد المنهك، والبطالة المتفاقمة، وضغوط المؤسسات المالية الدولية، وجد نفسه أمام صخرة الواقع: وعود كبيرة وموارد محدودة، وطموحات جيل غاضب لا يعرف الانتظار.
وعندما وصل الرجلان معًا إلى القمة ووجدا نفسيهما أمام صعوبة الإنجاز وتعقيد الواقع، بدآ في ترديد الأغنية الإفريقية القديمة التي تُحمِّل النظام السابق كل مآسي الحاضر. كانت الأغنية سهلة الإيقاع ومحببة للجمهور، فحاولا تحويلها إلى مسرحية سياسية لمساءلة سلفهما، علّها تُسلّي الشعب فترة وتُخفف ضغط الانتظار. وكما هي العادة في تجارب الحكم الإفريقية، تحوّل اللوم إلى ملاذ، والهروب إلى الماضي إلى استراتيجية خطاب. لكن عنوان الصراع الحقيقي بين الرجلين لم يكن في الخطاب ولا في التبرير، بل في المؤسسة الحزبية ذاتها، حيث احتدم الخلاف حول من يمتلك الشرعية ومن يُجسّد الحلم الذي انطلقا منه.
وفي تلك اللحظة، كما في كثير من التجارب الإفريقية، تحولت الرفقة إلى عبء، والاختلاف في الرؤية إلى صراع نفوذ. فسونكو الذي أراد أن يبقى صوت الشارع داخل الحكومة، بدا للرئيس كمن يذكره كل يوم بأنه مدين له بالصعود، وهو ما لا يطيقه أي زعيم حديث عهد بالكرسي. وهكذا، جاءت الإجازة(الإقالة) كإعلان رسمي لانتهاء مرحلة “الحلم المشترك” وبداية عهد “الواقعية الباردة”.
الذين عرفوا الرجلين يدركون أن المسافة بينهما لم تكن سياسية فحسب، بل نفسية أيضاً. فحين يصعد أحدهم إلى القمة، كثيراً ما ينسى السلم الذي أوصله إليها، معتقداً أن المجد شخصي، وأن الرفاق مجرد عابرين في طريق الزعيم المنتظر.
لكن الشارع الذي صنعهم لن ينسى بسهولة. فالجماهير التي صفقت لهما يوماً وهي ترى فيهما وجه السنغال الجديدة، تنظر الآن بخيبة إلى مشهد القطيعة، حيث تتبدد الأحلام في دهاليز السلطة.
لن تكون إقالة عثمان سونكو مجرد قرار رئاسي، بل هي رسالة إلى كل حركات التغيير في القارة: أن الوصول إلى الحكم أصعب امتحان لأي مشروع سياسي، وأن المثالية حين تصطدم بالواقع تحتاج إلى ما هو أعمق من الخطابة… تحتاج إلى رؤية، وإلى رجال لا ينسون الطريق الذي جاءوا منه.


